إذا كنتم من محبي الموضة والمهتمين بتاريخها و حاضرها و مستقبلها… لا بد أن هذا السؤال قد خطر ببالكم من قبل..
إلى أين يتجه العالم في هذا المجال المجنون؟
الموضة هي التغيير، وتكمن في التجدد في شتى المجالات.
نشأت الموضة مع الانسان وتطورت عبر السنين في أشكال مختلفة تتناسب مع الحقبة الزمنية في كل مرة..
فبداية نلحظ استعمال النباتات لتغطية الجسد وبعدها جلد الحيوانات ، ثم نشهد بداية صناعة الانسجة والقطن وتبدا الموضة تمثل الطبقات المختلفة للمجتمعات، فترى استعمال الأنسجة الثقيلة والجلود عند الطبقات الحاكمة، ثم ترى العبد شبه عار تغطيه بعض من القصاصات من هنا وهناك…
استطعنا بواسطة الموضة وتاريخها التعرف على العديد من الحضارات الغابرة، فمن النقوش والاثريات الفرعونية استطعنا التعرف عن قرب على نمط الحياة ومستواها ومناخها، وصناعاتها في تلك الفترة، فالأزياء كغيرها من الاثريات هي قطعة اساسية من مركبات اللوحة المشكلة لقصص التاريخ عبر العصور.
دعونا نقفز من التاريخ الغابر للعصور الوسطى، عصور الظلمات التي تلاها عصر النهضة في اوروبا، وبالمقابل في العالم الإسلامي ابتداء من قبائل الاوغوز حتى الامبراطورية العثمانية، نجد فروقا واضحة في تفاصيل الملابس والتي تتأثر بعوامل كثيرة كالدين والعادات والمهنة والطبقة الاجتماعية…
وتلعب تلك التفاصيل دورا مهما في تحديد معايير الجمال لكل فترة فيتشكل ،وينتشر المشد والخصر الرفيع ويستمر حتى يومنا هذا…
كما وتبدا مستحضرات التجميل والتبرج في الظهور كعناصر اساسية لاطلالة المرأة…
في البداية لم تلعب صناعة الملابس دورا اساسيا في العالم ولم تاخذ حيزا كبيرا في التجارة ، بل نشأت وتطورت مع الانسان ملبية احتياجاته اليومية مشكلة طريقة للتعبير عن مكانة وهوية الافراد.
أما في يومنا هذا فباتت الملابس سلعة تجارية تتنافس بها الشركات العالمية لتصبح اكثر الصناعات تلويثا للبيئة وأقلها انسانية…
ان التوفر المفرط والكميات الهائلة للمنتجات والسلع الرخيصة في السوق قد افقد الموضة جوهرها وقيمتها المعنوية! ُ
فصار التسوق هوسا للاناث وعادة سيئة مسببة للادمان…واصبحت الملابس تقتنى بهدف الحصول على صورة جميلة انستجرامية ثم يتم التخلص منها سريعا
اما عن القطع التي لا يتم بيعها فينتهي بها الامر في المحارق في اراضي دول فقيرة لا حول لها ولا قوة لتساهم مباشرة بكمياتها الهائلة في ازدياد الاحتباس الحراري والتلوث البيئي.
مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي والتوعية حول استهلاك الموضة السريعة واضرارها، لم يعد سرا ما تقوم به تلك الشركات من انتهاكات لابسط حقوق الانسان…
فحوادث كثيرة كانهيار مصنع الرانابلازا على العاملين فيه احدثت ضجة كبيرة وكانت محركا للفت النظر للكواليس المظلمة لعالم مليئ بالحياة والالوان!
تلك السلعة الرخيصة، يدفع ثمنها في الجانب الاخر من العالم عاملا باجر دون الحد الادنى وظروف عمل لا تحتمل من اجل لقمة العيش
وتبنى على ظهور المساكين امبراطوريات عملاقة يجني ثمارها الاثرياء من دون مجهود يذكر!
أما نحن -كجمهور مستهلك-، فنفضل غض البصر بالرغم من ادراكنا ووعينا الكامل حول الموضوع…
لان التجاهل والهروب اسهل من المواجهة والبحث…
ونختار عدم الاكتراث لقضايا لطالما لا تؤثر على محيطنا بشكل مباشر…
والتي حتما سيصلنا تأثيرها على المدى البعيد حيث لن ينفع الندم.
وانت؟ هل ستبذل جهدا اكبر في المرة القادمة في البحث عن مصادر أخلاقية لملابسك، أم ستختار التجاهل والاستمرار؟
هبة يونس
Comments